كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


هذا الحديث ظاهره مشكل فإن نوحاً أول الرسل كما يأتي في خبر ولم يختتن إذ أول من اختتن إبراهيم كما مر في الخبر وعيسى لم يتزوج وكونه يتزوج بعد نزوله بفرض تسليم وروده غير دافع للشبهة فإنه إنما ينزل محمدياً عالماً بأحكام هذه الملة ولا مخلص من ذلك إلا بأن يقال المراد بالمرسلين أكثرهم‏.‏

- ‏(‏حم ت هب‏)‏ كلهم من حديث مكحول عن ابن السماك ‏(‏عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري قال الترمذي حسن غريب انتهى وتبعه المصنف فرمز لحسنه وقال المناوي وغيره فيه أبو الثمال مجهول الحال وقال ابن محمود شارح أبي داود في سنده ضعيف ومجهول وقال ابن العربي في شرح الترمذي فيه الحجاج ليس بحجة وعباد بن العوام‏.‏

920 - ‏(‏أربع من سعادة المرء‏)‏ أي من بركته ويمنه وعزه ‏(‏أن تكون زوجته صالحة‏)‏ أي دينه جميلة إذ المراد الصلاح لما يراد منها ديناً ودنيا ‏(‏وأولاده أبراراً‏)‏ أي يبرونه ويتقون الله ‏(‏وخلطاؤه‏)‏ أي أصحابه وأهل حرفته الذين لا بد له من مخالطتهم ‏(‏صالحين‏)‏ أي قائمين بحقوق الله وحقوق خلقه ‏(‏وأن يكون رزقه‏)‏ أي ما يرتزق منه من حرفة أو صناعة أو تجارة ‏(‏في بلده‏)‏ أي في محل إقامته بلداً كان أو غيره وخص البلد لأن الغالب الإقامة فيه والمراد أنه ليحصل كد الأسفار الشاسعة واقتحام المفاوز النائية وهذه حالة فاضلة وأعلى منها أن يأتيه من حيث لا يحتسب كما مر في خبره ويقاس بالرجل المرأة فيقال أربع من سعادة المرأة أن يكون زوجها صالحاً وهكذا‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏فر عن علي‏)‏ أمير المؤمنين وفيه سهل بن عامر البجلي قال الذهبي في الضعفاء كذبه أبو حاتم ‏(‏ابن أبي الدنيا في كتاب الإخوان عن عبد الله بن الحكم‏)‏ ابن أبي زياد العطواني صدوق مات بالكوفة ‏(‏عن أبيه‏)‏ الحكم ‏(‏عن جده‏)‏ أبي زياد الكوفي المذكور رمز المصنف لضعفه‏.‏

921 - ‏(‏أربع‏)‏ وفي رواية أربعة ‏(‏من‏)‏ أي من علامات ‏(‏الشقاء‏)‏ ضد السعادة ‏(‏جمود العين‏)‏ قلة دمعها كناية عن قسوة القلب، كذا قيل، وعليه فالعطف في قوله ‏(‏وقسوة القلب‏)‏ تفسيري والأوجه أن يقال إنه إشارة إلى قلة دمع العين إنما يكون من علامة الشقاء إذا كان ناشئاً عن قسوة القلب وأنه لا تلازم بينهما وقسوته غلطته وشدته وصلابته في غير الله ‏(‏والحرص‏)‏ أي الرغبة في الدنيا والانهماك في تحصيلها وطلب الازدياد منها والحرص يحتاجه الأنسان لكن بقدر ‏[‏ص 467‏]‏ معلوم فإذا تعدى الحد المحدود فقد أفسد دينه فكان بهذا الوجه من علامات الشقاء ‏(‏وطول الأمل‏)‏ بالتحريك رجاء الإكثار من الإقامة في الدنيا وزيادة الغنى‏.‏ قال الثوري قصر الأمل الذي هو الزهد ليس مذموماً‏.‏ وأناط الحكم بطوله ليخرج أصله فإنه لا بد منه في بقاء هذا العالم إذ لولاه لما أرضعت والدة ولداً ولا غرس غارس شجراً فهو رحمة من الله على عباده كما يأتي في حديث قال الثوري قصر الأمل الذي هو الزهد ليس بلبس العباءة ولا بأكل الخشن وقال الفضيل ما أطال رجل الأمل إلا أساء العمل وكتب ابن أدهم إلى سفيان من عرف ما يطلب هان عليه ما يبذل ومن أطلق بصره طال أسفه ومن أطلق أمله ساء عمله ومن أطلق لسانه قتل نفسه وقال ابن الوردي ومن كانت الدنيا أمله والخطايا عمله عظيم بطشه قليل فهمه عالم بدنياه جاهل بآخرته فويل له ويل له‏.‏

شكى رجل إلى الحسن البصري قسوة قلبه فقال عليك بمجالسة الذكر والإحسان‏.‏

- ‏(‏عد حل عن أنس‏)‏ من حديث الحسن بن علي عن أبي سعيد المازني عن الحجاج بن منهال عن صالح المري عن يزيد الرقاشي عن أنس ثم قال مخرجه أبو نعيم تفرد برفعه متصلاً عن صالح الحجاج انتهى وقال الهيتمي صالح المري ضعيف وفي الميزان هذا حديث منكر انتهى والحسن بن عثمان قال الذهبي في الضعفاء كذيه ابن عدي ويزيد الرقاشي متروك ورواه البزار من طريق فيها هانىء المتوكل فقال الهيتمي هو ضعيف جداً ولذا حكم ابن الجوزي بوضعه وأقره عليه المؤلف في مختصر الموضوعات‏.‏

922 - ‏(‏أربع لا يشبعن من أربع‏:‏ عين من نظر‏)‏ إلى ما يستحسن ويستلذ به الطبع ‏(‏وأرض من مطر‏)‏ فكل مطر وقع عليها شربته وطلبت غيره ‏(‏وأنثى من ذكر‏)‏ فإنها فضلت على الرجل في قوة شبقها بأضعاف لكن الله ألقى عليها الحياء ولم يقل امرأة من رجل إشارة إلى شمول الحيوانات وهذا حكم على النوع لا على كل فرد فرد فقد يختلف في بعضهن لكن نادر جداً ‏(‏وعالم من علم‏)‏ فإنه إذا ذاق أسراره وخاض بحاره وفهم معناه وفقه مغزاه صار عنده أعظم اللذات وأشرف الأمنيات فدأب ليله ونهاره يرعى وإن وقف ذهنه الأنجم السارة‏.‏ وعبر بعالم دون إنسان أو رجل لأن العلم صعب على المبتدىء فلا يلتذ به ولا يرغب في الزيادة منه‏.‏

- ‏(‏عد خط‏)‏ كلاهما من طريق عباس بن الوليد الخلال عن عبد السلام بن عبد القدوس عن هشام عن أبيه ‏(‏عن عائشة‏)‏ وقال ابن عدي حديث منكر وعباس يروي العجائب وعبد السلام يروي الموضوعات وقال ابن طاهر رواه عن هشام بن حسين بن علوان وكان يضع الحديث ولعل عبد السلام سرقه منه انتهى وقال في الميزان الحسين بن علوان قال يحيى كذاب والدارقطني متروك الحديث وابن حبان كان يضع الحديث على هشام وغيره وضعاً لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب ثم ساق له هذا الحديث وقال عقب قوله وعالم من علم وكذاب من كذب ورواه من هذا الوجه الطبراني فتعقبه الهيتمي وقال عبد السلام لا يحتج به وقد ذكره ابن الجوزي في الموضوعات‏.‏

923 - ‏(‏أربع‏)‏ من الركعات يصليهن الإنسان ‏(‏قبل الظهر‏)‏ أي قبل صلاته أو قبل دخول وقته ويؤيد الأول ما في رواية أخرى للترمذي بعد أن تزول الشمس قبل الظهر وهو عند الزوال ‏(‏ليس فيهن تسليم‏)‏ أي ليس بعد كل ركعتين منها قصل بسلام فالمعنى فيه كما قال البغوي التشهد قال الطيبي سمى التشهد بالتسليم لاشتماله عليه ‏(‏تفتح لهن أبواب السماء‏)‏ كناية عن حسن القبول وسرعة الوصول‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ هذا الفتح نظير النزول المنزه عن الحركة ‏[‏ص 468‏]‏ والانتقال بعد نصف الليل إذ كل منهما وقت قرب ورحمة وتسمى هذه سنة الزوال وهي غير سنة الظهر نص عليه في الإحياء، وقال بعضهم هذه الأربع ورد مستقل سببه انتصاف وزوال الشمس‏.‏

- ‏(‏د ت في‏)‏ كتاب ‏(‏الشمائل‏)‏ النبوية ‏(‏وابن خزيمة‏)‏ في الصلاة من صحيحه ‏(‏عن أبي أيوب‏)‏ الأنصاري وفيه كما قال جمع عبيدة بن مغيث الضبي الكوفي ضعفه أبو داود وقال المنذري لا يحتج بحديثه وقال يحيى القطان وغيره الحديث ضعيف وقال المنذري في موضع آخر في إسناد أبي داود احتمال للتحسين والمؤلف رمز لصحته‏.‏

924 - ‏(‏أربع قبل الظهر كعدلهن‏)‏ أي كنظيرهن ووزانهن في الثواب ‏(‏بعد العشاء‏)‏ وأربع بعد العشاء ‏(‏كعدلهن من ليلة القدر‏)‏ فنتج أن أربعاً قبل الطهر يعدلن أربعاً في ليلة القدر من حيث مزيد الفضل أي في مطلقه ولا يلزم منه التساوي في القدر وهذه سنة الزوال كما تقرر، والقصد الحث على فعلها والترغيب في إدامتها‏.‏

- ‏(‏طس عن أنس‏)‏ رمز المصنف لحسنه وليس ذا منه بحسن فقد أعله الهيتمي بأن فيه يحيى بن عقبة بن أبي العيزار وهو ضعيف جداً‏.‏

925 - ‏(‏أربع لا يصبن‏)‏ بالبناء للمفعول قال المؤلف ولا نافية ‏(‏إلا بعجب‏)‏ بعين مهملة محركاً أي لا توجد وتجتمع في إنسان في آن واحد إلا على وجه عجيب عظيم يتعجب منه لعظم موقعه لكونها قل أن تجتمع ‏(‏الصمت‏)‏ أي السكوت عما لا ينبغي أو ما لا يعني المتكلم ‏(‏وهو أول العبادة‏)‏ أي مبناها وأساسها لأن اللسان هو الذي يكب الناس على مناخرهم في النار ‏(‏والتواضع‏)‏ أي لين الجانب للخلق على اختلاف طبقاتهم وطبائعهم ورؤية الإنسان نفسه حقيراً صغيراً ‏(‏وذكر الله‏)‏ أي لزومه والدوام عليه علامة حب الله ‏(‏وقلة الشيء‏)‏ الذي ينفق منه على نفسه وممونه فإن هذا لا يجامع السكون والوقار ولزوم الذكر بل الغالب على حال المقل الشكوى للناس وإظهار التضجر والتألم وشغل الفكر بالعيش الضنك بمنع صرف الهمة إلى الذكر، فاجتماعهما شيء عجيب لا يحصل إلا بتوفيق إلهي وإمداد سماوي‏.‏

- ‏(‏طب ك هب عن أنس‏)‏ سكت المصنف عليه فأواهم أنه لا علة فيه، وهو اغترار بقول الحاكم صحيح وغفل عن تشنيع الذهبي في التلخيص والمنذري والحافظ العراقي عليه بأن فيه العوام بن جويرية قال ابن حبان وغيره يروي الموضوعات ثم ذكر له هذا الحديث‏.‏ اهـ‏.‏

وأورده في الميزان في ترجمة العوام وتعجب من إخراج الحاكم له‏.‏

وقال ابن عدي‏:‏ الأصل في هذا أنه موقوف على أنس وقد رفعه بعض الضعفاء عن أبي معاوية حميد بن الربيع وقد قال يحيى حميد كذاب‏.‏ اه‏.‏ ومن ثم أورد ابن الجوزي في الموضوع وقال العوام يروي الموضوعات عن الثقات‏.‏ وتعقبه المصنف فلم يأت بطائل كعادته‏.‏

926 - ‏(‏أربع لا يقبلن‏)‏ حال كونها ‏(‏في أربع‏)‏ يعني لا يثاب من أنفق منهن ولا يقبل عمله فيهن ‏(‏نفقة من خيانة أو سرقة أو غلول‏)‏ من غنيمة ‏(‏أو مال يتيم‏)‏ فلا يقبل الانفاق من هؤلاء الأربع ‏(‏في حج‏)‏ بأن حج بمال خانه أو سرقه أو غله أو غصبه من مال يتيم تحت حجره أو غيره ‏(‏ولا في عمرة‏)‏ هبهما حجة الإسلام وعمرته أم تطوعاً ‏(‏ولا‏)‏ في ‏(‏جهاد‏)‏ هبه فرض عين أو كفاية ‏(‏ولا‏)‏ في ‏(‏صدقة‏)‏ مفروضة أو مندوبة كوقف أو غيره‏.‏ والفرق بين الخائن والسارق أن الخائن هو الذي خان فيما ائتمن عليه وجعل تحت يده، والسارق من أخذ خفية من موضع كان تنوعاً من توصله‏.‏ ‏[‏ص 469‏]‏ وكما تقبل تلك الأربع في هذه الأربع لا تقبل في غيرها أيضاً‏.‏

وإنما خصها اهتماماً بشأنها لكونه أمهات الفروض التي فيها الانفاق، وكررها لدفع توهم إرادة الجمع‏.‏

- ‏(‏ص عن مكحول مرسلاً عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب، رمز المؤلف لحسنه، وفي المسند كوثر بن حكيم قال الذهبي تركوه وضعفوه‏.‏

927 - ‏(‏أربع‏)‏ أي أربع جمل من القرآن ‏(‏أنزلت‏)‏ أي أنزلهن الله بواسطة أو بغيرها ‏(‏من كنز تحت العرش‏)‏ عرش الرحمن ‏(‏أم الكتاب وآية الكرسي وخواتيم البقرة والكوثر‏)‏ أي السورة التي فيها الكوثر، وهي ‏{‏إنا أعطيناك الكوثر‏}‏ والكنز النفائس المدفونة المدخرة، فهو إشارة إلى ذكر أنها ادخرت لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام فلم تنزل على من قبله‏.‏ قال الطيبي‏:‏ هذا من إدخال الشيء في جنس وجعل أحد أنواعه على التغليب، فالكنز نوعان متعارف وهو المال الكثير يجعل بعضه فوق بعض ويحفظ، وغير متعارف وهو هذه الآيات الجامعة المكتنزة بالمعاني الإلهية‏.‏

- ‏(‏طب وأبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏‏)‏ عبد الله بن جعفر ‏(‏والضياء‏)‏ المقدسي ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي‏.‏ قيل إن المصنف رمز لصحته وفيه عبد الرحمن بن الحسن أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم لا يحتج به والوليد بن جميل عن القاسم أورده الذهبي في الضعفاء وقال قال أبو حاتم روى عن القاسم أحاديث منكرة وقال في الكاشف لينه أبو زرعة‏.‏

928 - ‏(‏أربع حق على الله أن لا يدخلهن الجنة ولا يذيقهم نعيمها‏:‏ مدمن خمر‏)‏ أي مداوم على شربها ‏(‏وآكل الربا‏)‏ ويلحق به فيما يظهر‏:‏ موكله، أخذاً من تسويته بينهما في اللعن في الحديث المار أول الكتاب بقوله‏:‏ آكل الربا وموكله - إلى أن قال - ملعونون، ولم يقيده كما قيد ما بعده، لأن آكله لا يكون إلا بغير حق‏.‏ والمراد بالأكل هنا التناول بأي وجه كان ‏(‏وآكل مال اليتيم بغير حق والعاق لوالديه‏)‏ أي لأصليه المسلمين وإن عليا، وكذا العاق لأحدهما‏:‏ أي إذا استحل كل منهم ذلك، أو المراد مع السابقين الأولين أو حتى يطهرهم بالنار وعلى ماعدا الأول فهو وعيد فيه جائز لا مبرم، بخلاف الوعد‏.‏ وخص الأربعة لا لإخراج غيرها، بل لغلبة وقوعها في الجاهلية‏.‏

- ‏(‏ك هب عب‏)‏ من حديث إبراهيم بن خيثم بن عراك عن أبيه عن جده ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم صحيح فتعقبه الذهبي بأن إبراهيم قال ابن أبي شيبة متروك والمنذري فقال صححه وفيه إبراهيم بن خيثم متروك‏.‏

929 - ‏(‏أربع أفضل الكلام‏)‏ أي كلام الآدميين ‏(‏لا يضرك‏)‏ في حيازة ثواب الإتيان بهن ‏(‏بأيهن بدأت‏)‏ وهي ‏(‏سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر‏)‏ أما كلام الله فهو أفضل من التسبيح والتهليل المطلق، والاشتغال بالمأثور في وقت أو حال مخصوص أفضل منه بالقرآن‏.‏

قال البغوي‏:‏ وهذا الحديث حجة لمن ذهب إلى من حلف لا يتكلم فسبح او هلل أو كبر يحنث لأنه كلام، وذهب قوم إلى خلافه‏.‏

- ‏(‏ه عن سمرة‏)‏ بضم الميم وقد تسكن تخفيفاً - ابن جندب رمز المؤلف لصحته‏.‏

‏[‏ص 470‏]‏ 930 - ‏(‏أربع دعوتهم مستجابة‏)‏ أي مرجوة القبول ‏(‏الإمام العادل‏)‏ أي الحاكم الذي لا يجور في أحكامه‏.‏ والعدل القصد في الأمور، وهو ضد الجور ‏(‏والرجل‏)‏ يعني الإنسان ‏(‏يدعو لأخيه‏)‏ في الإسلام ‏(‏بظهر الغيب‏)‏ أي في غيبته، ولفظ الظهر مقحم كما سبق قريباً ‏(‏ودعوة المظلوم‏)‏ على ظالمه ‏(‏ورجل‏)‏ وصف طردي، والمراد إنسان ولو أنثى أو خنثى أو طفلاً ‏(‏يدعو لوالديه‏)‏ يعني لأصليه وإن عليا أو لأحدهما بالمغفرة والهداية ونحوهما‏.‏ وكلامه شامل للحيين والميتين وورد من يستجاب دعاؤه أيضاً جماعة، وذكر العدد لا ينفي الزائد‏.‏

- ‏(‏حل عن واثلة‏)‏ بن الأسقع وفيه مخلد بن جعفر جزم الذهبي بضعفه، وفيه محمد بن حنيفة الواسطي قال في الميزان قال الدارقطني غير قوي وأحمد ابن الفرج أورده الذهبي في الضعفاء وضعفه أبو عوف‏.‏

931 - ‏(‏أربعة لا ينظر الله إليهم‏)‏ نظر رضى ومثوبة‏.‏ والنظر تقليب الحدقة، والله تعالى منزه عنه، فالنظر في حقه بمعنى الإحسان، وعدمه هو المقت والخذلان ‏(‏يوم القيامة‏)‏ إشارة إلى أن محل الرحمة والنعمة المستمرتين، بخلاف رحمة الدنيا وعذابها فإنهما ينقطعان بتجرد الحوادث ‏(‏عاق‏)‏ لوالديه أو أحدهما ‏(‏ومنان‏)‏ زاد في رواية‏:‏ الذي لا يعطى شيئاً إلا منه ‏(‏ومدمن خمر‏)‏ أي معاقر لها ملازم على شربها ‏(‏ومكذب بالقدر‏)‏ بالتحريك‏:‏ بأن أسند أفعال العباد إلى قدرهم‏.‏ ولكون العقوق والمنة في كل منهما حق للآدمي وحق الله قدمهما على ما بعدهما لأنهما محض حق الله، وفيه أن الأربعة المذكورة من الكبائر لهذا الوعيد‏.‏

- ‏(‏طب عد عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي، قال الهيتمي رواه الطبراني بإسنادين في أحدهما بشر بن نمير وهو متروك، وفي الآخر عمر بن يزيد وهو ضعيف‏.‏

932 - ‏(‏أربعة يبغضهم‏)‏ أي ممن يبغضهم ‏(‏الله‏)‏ تعالى يعذبهم ويحيلهم دار الهوان ‏(‏البياع الحلاف‏)‏ بالتشديد‏.‏ صيغة مبالغة‏:‏ أي الذي يكثر الحلف على سلعة لقد أعطى فيها أكثر من كذا ‏(‏والفقير المختال‏)‏ بخاء معجمة‏:‏ أي المتكبر المعجب بنفسه ‏(‏والشيخ الزاني‏)‏ أي الرجل الذي قد أمسى وهو مصر على الوطء بغير عقد شرعي، ومثله الشيخة الزانية ‏(‏والإمام الجائر‏)‏ أي الحاكم الظالم المائل عن الحق إلى الباطل، يقال جار في حكمه يجور جوراً وظلم عن الطريق مال‏.‏ وإنما أبغضهم لأن الحلاف الكثير الحلف انتهك ما عظم الله من أسمائه وجعله سبباً وحيلة لدرك ما حقره من الدنيا لعظمها في قلبه‏.‏ فبغضه ومقته، هذا في الحلف الصادق فما بالك بالكاذب ‏؟‏ والفقير المختال‏:‏ أي المتكبر قد زوى الله عنه أسباب الكبر بحمايته له عن الدنيا فأبى لؤم طبعه إلا التكبر ولم يشكر نعمة الفقر، فإن المصطفى صلى الله عليه وآله سلم يقول‏:‏ الفقر على المؤمن أزين من العذار الجيد على خد الفرس‏.‏ والشيخ الزاني عمر عمراً يحصل به الإنزجار واستولت أسباب الضعف وكلها حاجزة عن الزنا فأبى سوء طبعه إلا التهافت في معصية ربه‏.‏ والإمام الجائر أنعم الله عليه بالسيادة والقدرة فأبى شؤم شح طبعه إلا الجور وكفر النعمة‏.‏ وتعبيره بالبغض في هذه الأربعة وبعدم النظر في الأربعة قبلها يؤذن بأن هذه أقبح من تلك‏:‏ فإن البغض أشد‏.‏ ألا ترى أن الشخص ‏[‏ص 471‏]‏ قد لا ينظر إلى الشيء ويعرض عنه احتقاراً وعدم مبالاة به ولا يبغضه‏؟‏

- ‏(‏ن هب‏)‏ وكذا الخطيب في التاريخ ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحافظ العراقي سنده جيد، وقال الذهبي في الكبائر عقب عزوه للنسائي إسناده صحيح، ومن ثم رمز المصنف لصحته‏.‏

933 - ‏(‏أربعة‏)‏ أي أربعة أشخاص ‏(‏تجري‏)‏ بفتح أوله ‏(‏عليهم أجورهم بعد الموت‏)‏ أي لا ينقطع ثواب أعمالهم بموتهم بل يستمر ‏(‏من مات مرابطاً في سبيل الله‏)‏ أي إنسان مات حال كونه ملازماً ثغر العدو بقصد الذب عن المسلمين ‏(‏و‏)‏ الثاني ‏(‏من علم علماً أجرى له عمله ما عمل به‏)‏ أي وأي إنسان علم علماً وعمله غيره ثم مات فيجري عليه ثوابه مدة دوام العمل به من بعده ‏(‏و‏)‏ الثالث ‏(‏من‏)‏ أي إنسان ‏(‏تصدق بصدقة‏)‏ جارية مستمرة من بعده كوقف ‏(‏فأجرها يجري له ما وجدت‏)‏ أي فيجري له أجره مدة بقاء العين المتصدق بها وزاد بيان الجزاء في هذين لخفاء النفع فيه أو إيماء إلى تفضيلهما على الأول والأخير ‏(‏و‏)‏ الرابع ‏(‏رجل‏)‏ وصف طردي، والمراد إنسان مات ‏(‏ترك ولداً صالحاً‏)‏ أي فرعاً مسلماً‏.‏

هبه ذكراً أو أنثى أو ولد ولد كذلك وإن سفل ‏(‏فهو يدعو له‏)‏ بالرحمة والمغفرة، فإن دعاءه أرجى إجابة وأسرع قبولاً من دعاء الأجنبي‏.‏

ومر أنه لا تعارض بين قوله هنا أربعة، وقوله في الحديث المتقدم إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث لأن أعمال الثلاثة متجددة وعمل المرابط ينمو له‏.‏ وفرق بين إيجاد العدوم وتكثير الموجود‏.‏

- ‏(‏حم طب‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي رمز المصنف لحسنه وأعله الهيتمي وغيره بأن فيه ابن لهبعة ورجل لم يسم، لكن قال المنذري هو صحيح من حديث غير واحد من الصحابة‏.‏

934 - ‏(‏أربعة يؤتون أجورهم مرتين‏)‏ أي يضاعف الله لهم ثواب ما عملوا مرتين ‏(‏أزواج‏)‏ جمع زوج والرجل زوج المرأة وهي زوجة ولم يقل زوجاته جمع زوجة لأن الأولى هي اللغة العالية الكثيرة وبها جاء القرآن نحو ‏{‏اسكن أنت وزوجك الجنة‏}‏ وإنما اقتصر الفقهاء في الاستعمال على اللغة القليلة وهي التي بها خوف لبس الذكر بالأنثى إذ لو قيل تركة فيها زوج وابن لم يعلم أذكر أم أنثى ‏(‏النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ فلهم أجر على أداء حق الله تعالى وأجر على القيام بخدمة رسوله ونقلهن ما بطن من الشريعة مما لا يطلع عليه غيرهن وحفظه على الأمة ومن ثم اتجه عدم دخول غير المدخولة في ذلك نعم فيه شمول لمن مات قبله منهن ولمن تأخرت وفاته والظاهر إلحاق سرائره بهن ويشبه أن هذا اللفظ مما رواه الصحابي بالمعنى وإلا لقال زوجاتي ‏(‏ومن أسلم من أهل الكتاب‏)‏ يعني الفرقة الناجية من النصارى إذ من كفر بعيسى من أهل الكتاب لا أجر له على عمله كما يجيء‏.‏ وذلك لإيمانهم بالكتابين فلهم أجر على الإيمان بالإنجيل وأجر على الإيمان بالفرقان ‏(‏ورجل كانت عنده أمة‏)‏ يملكها وهي تحل له ‏(‏فأعجبته فأعتقها‏)‏ أي أزال عنها الرق لله تعالى ‏(‏ثم تزوجها وعبد مملوك‏)‏ قيد به للتمييز بينه وبين الحر فإنه أيضاً عبد الله ‏(‏أدى حق الله تعالى وحق سادته‏)‏ فله أجر على أداء حق الله تعالى وأجر على أداء حق مواليه كما سبق موضحاً ومن البين أن ذكر الإعجاب للتصوير لا للتقيد فكأنه خرج جواباً لسؤال وقد يقال إنما خصه لأنه إذا كان معجباً بها فعتقها صعب عسير على النفس لمصير ‏[‏ص 472‏]‏ أمرها بيدها فلما قهر نفسه بعتقها رجاء للثواب دل على قوة إيمانه وكمال إيقانه فيجازى بعظم الأجر‏.‏ وظاهر الحديث أن العامل قد يؤجر على عمل واحد مرتين ولا بدع فيه وإن كان عملاً واحداً لكنه في الحقيقة عملان مختلفان طاعة الله وطاعة المخلوق فيؤجر على كل من العملين مرة لا مرتين وقد ورد أن جماعة أخرى يؤتون أجرهم مرتين وألف فيه المصنف مؤلفاً حافلاً جمع فيه نيفاً وأربعين وذكر العدد لا ينفي الزائد إذ مفهومه غيرحجة عند الأكثر‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ الباهلي رمز المصنف لحسنه‏.‏ قال الهيتمي‏:‏ فيه علي بن يزيد الالهاني وهو ضعيف وقد وثق‏.‏

935 - ‏(‏أربعة من كنز الجنة‏)‏ أي ثوابهن مدخر في الجنة التي هي دار الثواب وهو ثواب نفيس جداً ‏(‏إخفاء صدقة‏)‏ أي عدم إعلانها والمبالغة في كتمانها بحيث لا تعلم يمينه ما أنفقت شماله كما بينه هكذا في خبر آخر والخفاء يقابل به الإبداء والإعلان ‏{‏إن تبدوا الصدقات فنعما هي وإن تخفوها‏}‏ والمراد صدفة النفل ‏(‏وكتمان المصيبة‏)‏ أي عدم إشاعتها وإذاعتها على جهة التضجر والشكوى مما حل به من البلوى ‏(‏وصلة الرحم‏)‏ أي الإحسان إلى القريب ومواساته بما يحتاجه ‏(‏وقول‏)‏ الإنسان ‏(‏لا حول‏)‏ أي لا تحول عن المعصية ‏(‏ولا قوة‏)‏ على الطاعة ‏(‏إلا بالله‏)‏ أي إلا بإقداره وتوفيقه وقيل معنى لا حول لا حيلة وقال النووي‏:‏ هي كلمة استسلام وتفويض وأن العبد لا يملك من أمره شيئاً ولا حيلة له في دفع شر ولا قوة له في جلب خير إلا بإرادة الله تعالى، قال‏:‏ ومعنى كونها من كنز الجنة أن قولها يحصل ثواباً نفيساً يدخر لصاحبه في الجنة‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة محمد بن قاسم الأزدي ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين وأشار إلى تفرده باستحسان‏.‏

936 - ‏(‏أربعون‏)‏ مبتدأ ‏(‏خصلة‏)‏ تمييز وعند الإمام أحمد أربعون حسنة بدل خصلة ‏(‏أعلاهن‏)‏ أي أعظمهن ثواباً وهذا مبتدأ ثان خبره ‏(‏منحة‏)‏ بكسر فسكون وفي رواية منيحة ‏(‏العنز‏)‏ بفتح فسكون أنثى المعز والجملة خبر الأول والمنيحة كالعطية لفظاً ومعنى والمراد ما يعطى من المعز رجلاً لينتفع بلبنه وصوفه زمناً ثم يعيده وإنما كانت أعلى لشدة الحاجة إليها ‏(‏لا يعمل عبد‏)‏ لفظ رواية البخاري ما من عامل يعمل ‏(‏بخصلة منها رجاء ثوابها‏)‏ بالنصب مفعول له ‏(‏وتصديق موعودها‏)‏ بميم أوله بخط المصنف أي مما وعد لفاعلها من الثواب على وجه الإجمال ‏(‏إلا أدخله الله تعالى بها‏)‏ أي بسبب قبوله لها تفضلاً ‏(‏الجنة‏)‏ فالدخول بالفضل لا بالعمل ونبه بالأدنى على الأعلى‏.‏ فمنحة البقرة والبدنة كذلك بل أفضل ولم يفصل الأربعين بالتعيين خوفاً من اقتصار العاملين عليها وزهدهم في غيرها من أبواب الخير وتطلبها بعضهم في الأحاديث فزادت عن الأربعين منها السعي على دي رحم قاطع وإطعام جائع وسقي ظمآن ونصر مظلوم‏.‏ ونوزع بأن بعض هذه أعلى من المنحة وبأنه رجم بالغيب فالأحسن أن لا يعد لأن حكمة الإبهام أن لا يحتقر شيء من وجوه البر وإن قل كما أبهم ليلة القدر وساعة الإجابة يوم الجمعة‏.‏

- ‏(‏خ د عن ابن عمرو‏)‏ ابن العاص ووهم الحاكم فاستدركه‏.‏

937 - ‏(‏أربعون رجلاً أمة‏)‏ أي جماعة مستقلة لا تخلو من عبد صالح غالباً ‏(‏ولم يخلص أربعون رجلاً في الدعاء لميتهم‏)‏ أي في صلاتهم عليه صلاة الجنازة ‏(‏إلا وهبه الله تعالى لهم وغفر له‏)‏ ذنوبه المتعلقة بالله تعالى إكراماً لهم ويكرمه هو بالمغفرة له ‏[‏ص 473‏]‏ فإن ذلك أول ما يكرم به الميت المؤمن من قبل ربه تعالى كما يجيء في غير ما حديث وفيه أنه يندب تحري كون المصلين على الجنازة لا ينقصون عن أربعين وبين جعلهم ثلاث صفوف فأكثر‏.‏

- ‏(‏الخليلي في مشيخته عن ابن مسعود‏)‏ والخليل نسبة إلى جده الأعلى لأنه أبو يعلى الخليلي ابن عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن الخليل القزويني رمز المؤلف لضعفه‏.‏

938 - ‏(‏أربعون داراً‏)‏ من كل جهة من الجهات الأربع ‏(‏جار‏)‏ فيه حجة لمذهب الإمام الشافعي أنه لو أوصى لحيرانه صرف لأربعين داراً من كل جانب من الجوانب الأربعة، وردّ على أبي حنيفة في قوله الجار الملاصق فقط‏.‏

- ‏(‏في مراسيله عن‏)‏ ابن شهاب ‏(‏الزهري مرسلاً‏)‏ قال أبو داود قلت له يعني الزهري وكيف أربعون داراً جار قال أربعون عن يمينه وعن بساره وخلفه وبين يديه قال الزركشي سنده صحيح وقال ابن حجر رجاله ثقات‏.‏

939 - ‏(‏ارجعن‏)‏ أيها النساء اللاتي جلسن ينتظرن جنازة ليذهبن معها ‏(‏مأزورات‏)‏ أي آثمات والقياس موزورات لأنه من الوزر ضد الأجر وإنما قصد الازدواج لقوله ‏(‏غير مأجورات‏)‏ والمشاكلة بين الألفاظ من مطلوبهم كما ذكره ابن يعيش والعسكري وغيرهما ألا ترى إلى أن وضحاها من قوله ‏{‏والشمس وضحاها‏}‏ أميل للازدواج ولو انفرد لم يمل لأنه من ذوات الواو وفيه نهى النساء عن اتباع الجنائز لكن الأصح عند الشافعية أنه مكروه لهن تنزيهاً نعم إن اقترن به ما يقتضي التحريم حرم وعليه حمل الحديث وقول من قال كأني نصر المقدسي لا يجوز لهن اتباع الجنائز‏.‏

- ‏(‏ه عن علي‏)‏ أمير المؤمنين قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فرأى نسوة ينتظرنها فقال هل تغسلن قلن لا قال هل تحملن قلن لا قال هل تدفنّ قلن لا فذكره قال ابن الجوزي جيد الإسناد بخلاف طريق أنس أي المشار إليه بقوله ‏(‏ع عن أنس‏)‏ قال اتبع النبي صلى الله عليه وسلم جنازة فإذا بنسوة خلفها فنظر إليهن فذكره ضعفه المنذري وقال الهيتمي فيه الحارث بن زياد قال الذهبي ضعيف وقال الدميري حديث ضعيف تفرد به ابن ماجه وفيه إسماعيل بن سليمان الأزرق ضعفوه انتهى وبهذا التقرير انكشف أن رمز المصنف لصحته صحيح في حديث على لا في حديث أنس فخذه منقحاً ورواه الخطيب من حديث أبي هريرة وزاد في آخره مفتنات للأحياء مؤذيات للأموات‏.‏

940 - ‏(‏أرحامكم‏)‏ أي أقاربكم من الذكور والإناث ‏(‏أرحامكم‏)‏ أي صلوهم واستوصوا بهم خيراً واحذروا من التفريط في حقهم والتكرير للتأكيد‏.‏ قال في الإتحاف‏:‏ هذا أعز من المخاطب بلزوم ما يحمد أي صلوا أرحامكم أي أكرموها وفيه من المبالغة في طلب ذلك ما لا يخفى ويصح أن يكون تحذيراً من القطيعة ويلوح به قوله تعالى ‏{‏واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام‏}‏‏.‏

- ‏(‏حب هن أنس‏)‏ بن مالك‏.‏

941 - ‏(‏أرحم من في الأرض‏)‏ بصيغة العموم يشمل جميع أصناف الخلائق فيرحم البر والفاجر والناطق والمبهم والوحش والطير ‏(‏يرحمك من في السماء‏)‏ اختلف بالمراد بمن في السماء فقيل هو الله أي ارحموا من في الأرض شفقة يرحمكم الله تفضلاً والتقدير يرحمكم من أمره نافذ في السماء أو من فيها ملكه وقدرته وساطانه أو الذي في العلو والجلال والرفعة لأنه تعالى لا يحل في مكان فكيف يكون فيه محيطاً فهو من قبيل رضاه من السوداء بأن تقول في جواب أين الله فأشارت إلى السماء معبرة عن الجلال والعظمة لا عن المكان وإنما ينسب إلى السماء لأنها أعظم وأوسع من الأرض أو لعلوها وارتفاعها أو لأنها قبلة الدعاء ومكان الأرواح الطاهرة الفدسية وقيل المراد منه الملائكة أي تحفظكم ‏[‏ص 474‏]‏ الملائكة من الأعداء والمؤذيات بأمر الله ويستغفر لكم ويطلبوا الرحمة من الله الكريم قال الطيبي ويمكن الجمع بأن يقال يرحمك بأمره الملائكة أن تحفظك قال تعالى ‏{‏له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله‏}‏ وأخرج الروياني في مسنده عن ابن عمر يرفعه‏:‏ إن العبد ليقف بين يدي الله تعالى فيطول وقوفه حتى يصيبه من ذلك كرب شديد فيقول يا رب ارحمني اليوم فيقول له هل رحمت شيئاً من خلقي من أجلي فأرحمك‏.‏ قال الحراني‏:‏ والرحمة تحلة ما يوافي المرحوم في ظاهره وباطنه أدناه كشف الضر وكشف الأذى وأعلاه الاختصاص رفع الحجاب وفيه ندب إلى العطف على جميع أنواع الحيوان وأهمها وأشرفها الآدمي المسلم والكافر المعصوم فيعطف عليهم بالمواساة والمعونة والمواصلة فيوافق عموم رحمة الله للكل بالإرقاق وإدرار الأرزاق وقال وهب‏:‏ من يرحم يرحم ومن يصمت يسلم ومن يجهل يغلب ومن يعجل يخطىء ومن يحرص على الشر لا يسلم ومن يكره الشر يعصم وقال عيسى عليه السلام‏:‏ لا تنظروا في عيوب الناس كأنكم أرباب‏.‏ انظروا فيها كأنكم عبيد، إنما الناس مبتلى ومعافى فارحموا أهل البلاء واحمدوا الله على العافية وهنا دقيقة وهي أن العارف المرصفي قال‏:‏ يجب على الفقير إذا تخلق بالرحمة على العالم أن لا يتعدى بالرحمة موطنها فيطلب أن يكون العالم كله سعيداً فإنه تعالى يقول ‏{‏وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين‏}‏ وقال ‏{‏ما يبدل القول لدي‏}‏ ورؤي الغزالي في النوم فقيل له مافعل الله بك فقال أوقفني بين يديه وقال بم جئتني فذكرت أنواعاً من الطاعات فقال ما قبلت منها شيء لكنك جلست تكتب فوقعت ذبابة على القلم فتركتها تشرب من الحبر رحمة لها فكما رحمتها رحمتك اذهب فقد غفرت لك انتهى‏.‏ والرحمة في حقنا رحمة وحنو يقتضي الإحسان وذلك تغير يوجب للمتصف به الحدوث والله تقدس عن ذلك وعن نقيضه الذي هو القسوة والغلطة فهو راجع في حقه إلى ثمرة تلك الرقة وفائدتها وهو اللطف بالمبتلى والضعيف وكشف ضره والإحسان إليه ذكره القرطبي وغيره وقال ابن عطاء الله من اطلع على أسرار العباد ولم يتخلق بالرحمة الإلهية فاطلاعه فتنة عليه وسبب لجر الوبال إليه وإليه أشار ابن الفارض بقوله‏:‏

وإياك والإعراض عن كل صورة * مموهة أو حالة مستحيلة

فمن تخلق بالرحمة الإلهية وهي العامة لجميع الخلق الطائع والعاصي بواسطة شهادة فعل الله عذر الخلق ورحمهم لكونه لم يشهد لهم فعلاً بل يشهد أفعال الحق تتصرف فيهم وتجري مجرى القدر وهو محجوبون عن ذلك بواسطة أفعال النفس وظلمتها فيرحمهم الله من غير اعتراض عليه ويعذرهم من غير أن يقف مع شيء من ذلك‏.‏

- ‏(‏طب عن جرير‏)‏ البجلي قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح ‏(‏طب ك‏)‏ من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن قابوس ‏(‏عن ابن مسعود‏)‏ رواه من هذا الطريق البخاري في الأدب المفرد وأحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن صحيح وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال ابن حجر رواته ثقات واقتفاه المصنف فرمز لصحته قال السخاوي وكان تصحيح الحاكم باعتبار ما له من المتابعات والشواهد وإلا فأبو قابوس لم يروه عنه سوى ابن دينار ولم يوثقه سوى ابن حبان على قاعدته في توثيق من لم يجرح ومن شواهد ما عقبه به المصنف بقوله‏:‏

942 - ‏(‏ارحموا ترحموا‏)‏ لأن الرحمة من صفات الحق التي شمل بها عباده فلذا كانت أعلاماً اتصف بها البشر فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال الكفار والذبح وإقامة الحجج وغير ذلك ‏(‏واغفروا يغفر لكم‏)‏ لأنه سبحانه وتعالى يحب أسمائه وصفاته التي منها الرحمة والعفو ويحب من خلقه من تخلق بها ‏(‏ويل لأقماع القول‏)‏ أي شدة هلكة لمن لا يعي أوامر الشرع ولم يتأدب بآدابه، والأقماع بفتح الهمزة جمع قمع بكسر القاف وفتح الميم وتسكن الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع، شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئاً مما يفرغ فيها فكأنه يمر عليها مجتازاً كما يمر الشراب في القمع كذلك قال الزمخشري‏:‏ من المجاز ويل لأقماع القول وهم الذين يستمعون ولا يعون انتهى ‏(‏ويل للمصرين‏)‏ على الذنوب أي العازمين ‏[‏ص 475‏]‏ على المداومة عليها ‏(‏الذين يصرون على ما فعلوا‏)‏ يقيمون عليها فلم يتوبوا ولم يستغفروا ‏(‏وهم يعلمون‏)‏ حال أي يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية أو يعلمون بأن الإصرار أعظم من الذنب أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب‏.‏

- ‏(‏حم خد هب عن ابن عمرو‏)‏ ابن العاص قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على منبره ذلك قال الزين العراقي كالمنذري إسناده جيد وقال الهيتمي رجال أحمد رجال الصحيح غير حبان بن زيد الشرعي وثقه ابن حبان ورواه الطبراني كذلك انتهى‏.‏ والمصنف رمز لصحته وفيه ما ترى‏.‏

943 - ‏(‏أردية الغزاة السيوف‏)‏ أي هي بمنزلة أرديتها فليس الإرتداء في حقهم بمطلوب كما هو مطلوب لغيرهم لأن الرداء يغطيها واللائق المناسب إظهارها وإشهارها إرهاباً للعدو ولئلا يكون بينه وبين السيف حائل إن احتاج إلى سله من غمده‏.‏

- ‏(‏عب عن الحسن مرسلاً‏)‏ وهو البصري‏.‏

944 - ‏(‏إ رضخى‏)‏ بهمزة مكسورة إذا لم توصل وبراء‏:‏ من الرضخ بمعجمتين العطاء اليسير والخطاب لأسماء بنت أبي بكر أي انفقي بغير إجحاد ولا إسراف ‏(‏ما استطعت‏)‏ ما دامت قادرة مستطيعة للإعطاء، فما مصدرية‏.‏ قال الكرماني‏:‏ لكن الظاهر أنها موصولة أو نكرة موصوفة أي الذي استطعتيه ‏(‏ولا توعى‏)‏ تمسكي المال في الوعاء والإيعاء حفظ الأمتعة بالوعاء وجعلها فيه أي لاتمنعي فضل المال عن الفقراء ‏(‏فيوعى الله عليك‏)‏ أي يمنع عنك فضله ويسد عليك باب المزيد، فإسناد الوعاء إلى الله مجاز عن الإمساك أو من باب المقابلة والمراد النهي عن منع الصدقة خوف الفقر، ومن علم أن الله تعالى يرزقه من حيث لا يحتسب فحقه أن يعطي ولا يحسب‏.‏

- ‏(‏م ن عن أسماء بنت أبي بكر‏)‏ الصديق قالت قلت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما أدخل عليّ الزبير فهل عليّ جناح أن أرضخ منه‏؟‏ فذكره‏.‏ ورواه عنها أيضاً البخاري بلفظ لا توعى فيوعى الله عليك أرضخى ما استطعت‏.‏

945 - ‏(‏ارضوا‏)‏ أيها المزكون ‏(‏مصدقيكم‏)‏ السعاة ببذل الواجب وملاطفتهم وترك مشاقهم‏.‏ وسبب الحديث أنه جاء ناس من الأعراب إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقالوا إن ناساً من المصدقين يأتونا فيظلمونا فقال ارضوا مصدقيكم قالوا وإن ظلمونا‏؟‏ قال ارضوا مصدقيكم وإن ظلمتم‏.‏ ولا ريب أن المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يستعمل ظالماً قط بل كانت سعاته على غاية من تحري العدل، كيف ومنهم علي وعمر ومعاذ‏؟‏ ومعاذ الله أن يولي المصطفى صلى الله عليه وسلم ظالماً‏.‏ فالمعنى سيأتيكم عمالي يطلبون منكم الزكاة والنفس مجبولة على حب المال فتبغضوهم وتزعمون أنهم ظالمون وليسوا بذلك‏.‏ فقوله وإن ظلمتم مني على هذا الزعم ويدل على ذلك لفظة إن الشرطية وهي تدل على الفرض والتقدير لا على الحقيقة‏.‏ وقال المظهري‏:‏ لما عم الحكم جميع الأزمنة قال كيف ما يأخذون الزكاة لا تمنعوهم وإن ظلموكم فإن مخالفتهم مخالفة للسلطان لأنهم مأمورون من جهته ومخالفة السلطان تؤدي إلى الفتنة وثورانها‏.‏ رد بأن العلة لو كانت هي المخالفة جاز كتمان المال لكنه لم يجز لقوله في حديث أنكتم من أموالنا بقدر ما يعتدون‏؟‏ قال لا‏.‏ أما سعاة غيرنا فإغضاب ظالمهم واجب وإرضاؤه فيما يرمونه بالجور حرام‏.‏

- ‏(‏حم م د ن عن جرير‏)‏ ابن عبد الله قال جاء ناس فقالوا يا رسول الله إن ناساً من المصدقين إلى آخره‏.‏

946 - ‏(‏إرفع إزارك‏)‏ إلى أنصاف الساقين يا من أسبله حتى وصل إلى الأرض ‏(‏واثق الله‏)‏ أي خفف عقابه على تعاطي ‏[‏ص 476‏]‏ ما حرمه عليك من جر إزارك تيهاً وخيلاء وفيه كالذي بعده حرمة إنزال الرجل إزاره ونحوه عن الكعبين بقصد الخيلاء، ويكره بدونه كما مر ويأتي، والسنة جعله إلى نصف الساقين‏.‏

- ‏(‏طب عن الشريد‏)‏ بوزن الطويل ‏(‏ابن سويد‏)‏ بضم المهملة وفتح الواو ومثناة تحتية الثقفي قال أبصر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يجر إزاره فذكره والشريد اسمه، مالك قتل قتيلاً من قومه فلحق بمكة ثم وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وبايع بيعة الرضوان وسماه الشريد وهذا الحديث رواه مسلم عن ابن عمر بزيادة ونقص ولفظه مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء فقال ارفع إزارك فرفعته ثم قال زد فزدت فما زلت أتزرها بعد‏.‏ فقال بعض القوم فأين‏؟‏ قال أنصاف الساقين وقد رمز المصنف لصحته‏.‏

947 - ‏(‏ارفع إزارك‏)‏ أي شمره عن الإسبال ‏(‏فإنه‏)‏ أي الرفع ‏(‏أنقى لثوبك‏)‏ بالنون من النقاء أي أنزه له عن القاذورات وروي بموحدة تحتية من النقاء أي أكثر بقاءاً ودواماً له ‏(‏وأتقى‏)‏ بمثناة فوقية ‏(‏لربك‏)‏ أي أقرب إلى سلوك التقوى أو أوفق للتقوى لبعده عن الكبر والخيلاء، ثم إن ما تقرر في هذا الخبر وما قبله من أن الرفع والإزار حقيقة هو ما عليه المحدثون والفقهاء وقال أهل الحقيقة رفع الثوب وتطهيره كناية عن طهارة النفس من الدنس والأغيار قال الشاذلي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر يقول يا علي طهر ثيابك من الدنس تحظ بمدد الله في كل نفس قلت وما ثيابي يا رسول الله قال قد خلع عليك خمس خلع خلعة المحبة وخلعة المعرفة وخلعة التوحيد وخلعة الإيمان وخلعة الإسلام فمن أحب الله هان عليه كل شيء ففهمت حينئذ قوله ‏{‏وثيابك فطهر‏}‏

- ‏(‏ابن سعد‏)‏ في الطبقات ‏(‏حم هب عن الأشعث‏)‏ بفتح الهمزة وسكون المعجمة وبالمثلثة ‏(‏ابن سليم‏)‏ المحاربي بضم الميم ‏(‏عن عمته عن عمها‏)‏ رمز المصنف لصحته‏.‏

948 - ‏(‏ارفع‏)‏ أيها الباني ‏(‏البنيان إلى السماء‏)‏ يعني إلى جهة العلو والصعود، ولم يرد المظلة كقوله في الجبل طويل في السماء يريد ارتفاعه وشموخه ذكره الزمخشري ثم إن ما تقرر من كون الحديث ارفع البنيان هو ما في خط المصنف لكن لفظ رواية الطبراني فيما وقفت عليه من نسخ المعجم ارفع يديك إلى السماء ‏(‏واسأل الله السعة‏)‏ أي اطلب منه أن يوسع عليك‏.‏ وزعم حجة الإسلام أن المراد بالسماء هنا الجنة وأنت خبير بمنافرته للسياق وفيه إلماح بكراهة ضيق المنزل ومن ثم قال الحكيم‏:‏ المنازل الضيقة العمى الأصغر، لكن لا يبالغ في السعة بل يقتصر على ما لا بد منه مما يليق به وبعياله، لخبر‏:‏ كل بناء وبال على صاحبه يوم القيامة إلا ما لا بد منه‏.‏

- ‏(‏طب عن‏)‏ سيف الله أبي سليمان ‏(‏خالد بن الوليد‏)‏ قال شكيت إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم الضيق في المسكن فذكره‏.‏ قال الهيتمي ورواه الطبراني بإسنادين أحدهما حسن اهـ وبه تعرف أن رمز المصنف لضعفه غير سديد‏.‏ نعم قال العراقي في سنده لين وكان كلامه في الطريق الثاني‏.‏